خطبة بعنوان: “تذكير الأنام بفضائل وآداب السلام”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 18 صفر 1438هـ – 18 نوفمبر 2016م
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: حث الإسلام على إفشاء السلام
العنصر الثاني: آداب إفشاء السلام
العنصر الثالث: ثمرات وفوائد إفشاء السلام
العنصر الرابع: مفاهيم خاطئة في إفشاء السلام
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: حث الإسلام على إفشاء السلام
عباد الله: إن إفشاء السلام من الآداب الإسلامية التي حث عليها الشرع الحنيف لما له من منزلة كبيرة عند الله وعند الناس؛ والسلام مأخوذ من السلم والأمان ؛ والسلام من أسماء الله الحسني؛ قال تعالى: { الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ}(الحشر/23). والسلام اسم من أسماء الجنة ؛ قال تعالى: { لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ( الأنعام /127). وتحية الله للمؤمنين في الجنة السلام؛ قال تعالى: { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}(الأحزاب/44). والسلام تحية الأحياء والأموات؛ فأما الأحياء فالسلام أحد الحقوق الواجبة المتبادلة بينهم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ” حقُّ المسلمِ على المسلم خمس : ردُّ السلام ، وعِيادةُ المريض ، واتِّباعُ الجنازة ، وإِجابةُ الدَّعْوَةِ ، وتشميتُ العاطس .” ( البخاري ومسلم ). وعن الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:” أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ؛ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ؛ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ؛ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ؛ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ؛ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ؛ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ؛ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي”.( متفق عليه )؛ والسلام تحية الأحياء للأموات؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ:” السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ؛ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ”. ( مسلم )؛ ولمنزلة السلام وأهميته ومكانته وصف النبي – صلى الله عليه وسلم- من بخل بالسلام بأنه أعجز الناس؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ أَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ بِالدُّعَاءِ ، وَإِنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلامِ ” .(الطبراني والبيهقي بسند صحيح).
أحبتي في الله: إن أعظم ما يحسدنا عليه اليهود هو السلام والتأمين؛ لما فيهما من الفضل العظيم والثواب الجزيل؛ فعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَا حَسَدَتْكُمْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ”( ابن ماجة وابن خزيمة بسند صحيح)؛ وقد ظهر هذا الحسد عليهم حينما كانوا يلقون التحية على الرسول – صلى الله عليه وسلم – فكانوا يحرفون الكلم سبا وشتما وحقدا وحسدا على الرسول وأصحابه؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن اليهودَ أتَوُا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالوا : السامُ عليك، قال : ( وعليكم ) . فقالتْ عائشَةُ : السامُ عليكم، ولعَنَكمُ اللهُ وغضِبَ عليكم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( مَهلًا يا عائشَةُ، عليكِ بالرِّفقِ، وإياكِ والعُنفَ، أو الفُحشَ ) . قالتْ : أولم تسمَعْ ما قالوا ؟ قال : ( أو لم تسمعي ما قلتُ، ردَدْتُ عليهم، فيُستَجابُ لي فيهم، ولا يُستَجابُ لهم فيَّ ) .(البخاري). فهم يحرفون كلمة ( السلام ) بكلمة السام أي: الموت والهلاك؛ وقد فطن النبي – صلى الله عليه وسلم – لذلك فرد عليهم وقال: ( وعليكم ). فرد الدعاء بالهلكة والموت عليهم في كلمة واحدة . قال الخطابي ما ملخصه : ” إن الداعي إذا دعا بشيء ظلما فإن الله لا يستجيب له ولا يجد دعاؤه محلا في المدعو عليه”. (فتح الباري) ؛ ولهذا قال لعائشة – رضي الله عنها – : ( أو لم تسمعي ما قلتُ، ردَدْتُ عليهم، فيُستَجابُ لي فيهم، ولا يُستَجابُ لهم فيَّ ).
العنصر الثاني: آداب إفشاء السلام
عباد الله: تعالوا بنا لنقف مع حضراتكم في هذا العنصر مع الآداب النبوية لإفشاء السلام حتى نكون على هدي نبينا – صلى الله عليه وسلم – في كل أفعاله وأقواله وهذه الآداب تتمثل فيمل يلي:-
الأدب الأول: أن يسلم الصغير على الكبير، والراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:” يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي؛ وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ؛ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ”. (متفق عليه) . وتخصيص هذه الأصناف بالذكر لأجل غرس قيم التواضع والتعظيم والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع. ” قال المهلب: تسليم الصغير لأجل حق الكبير لأنه أمر بتوقيره والتواضع له، وتسليم القليل لأجل حق الكثير لأن حقهم أعظم، وتسليم المار لشبهه بالداخل على أهل المنزل، وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع”. (فتح الباري)
الأدب الثاني: عدم تخصيص أحد من الجالسين بالسلام: فإن هذا من شأنه يوغر صدور الجالسين، ويزرع البغض والحقد. ” قال أبو سعد المتولي: يكره إذا لقى جماعة أن يخص بعضهم بالسلام دون البعض؛ لأن القصد بمشروعية السلام تحصيل الألفة، وفي التخصيص إيحاش لغير من خص بالسلام”.[فتح الباري].
الأدب الثالث: أن يلقى السلام برفق ولين وخفض صوت على قوم فيهم نيام: بحيث لا يُقلقهم ولا يوقظهم، وفي هذا أدب نبويٌ رفيع، حيث يُراعى فيه حال النائم فلا يكدر عليه نومه، وفي الوقت نفسه لا تفوت فضيلة السلام. فقد كان الني – صلى الله عليه وسلم :” يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ ” [جزء من حديث أخرجه مسلم]. قال النووي: ” هذا فيه آداب السلام على الأيقاظ في موضع فيه نيام، أو من في معناهم، وأنه يكون سلاماً متوسطاً بين الرفع والمخافتة، بحيث يسمع الأيقاظ، ولا يهوش على غيرهم”.[شرح النووي].
الأدب الرابع: استحباب تكرار السلام ثلاثاً: ولا سيما إذا كان الجمع كثيراً، أو شُك في سماع المُسَّلم عليه. فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلَاثًا؛ وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا”. [البخاري]. قال بن حجر:” لو سلم وظن أنه لم يسمع فتسن الإعادة فيعيد مرة ثانية وثالثة ولا يزيد على الثالثة”.[فتح الباري].
الأدب الخامس: الجهر بإلقاء السلام وكذلك الرد: فقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في السلام أن يرفع صوته بالسلام، وكذلك في الرد، فلا يحصل بالإسرار الأجر؛ إلا ما استثني. فقد ذكر ابن القيم:” أن من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسمع المسلم رده عليه”.[زاد المعاد]. وقال ابن حجر:” واستدل بالأمر بإفشاء السلام على أنه لا يكفي السلام سراً بل يشترط الجهر، وأقله أن يسمع في الابتداء والجواب ولا تكفي الإشارة باليد ونحوه”.[فتح الباري].
الأدب السادس: استحباب السلام عند دخول البيت. وذلك إذا كان مسكوناً، فإن كان البيت خالياً، فقد استحب بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم أن يسلم الرجل على نفسه إن كان البيت خالياً. فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال:” إذا دخل البيت غير المسكون فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”. [ الأدب المفرد للبخاري]. قال ابن حجر:” ويدخل في عموم إفشاء السلام، السلام على النفس لمن دخل مكاناً ليس فيه أحد، لقوله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً }” [فتج الباري؛ والآية رقم 61 من سورة النور]. وإن كان البيت ليس فيه إلا أهلك فيستحب لك أن تسلم عليهم أيضاً، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ”. ( الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب)
الأدب السابع: رد السلام على من حمل إليه السلام والمحمول إليه: فعَنْ غَالِبٍ قَالَ: إِنَّا لَجُلُوسٌ بِبَابِ الْحَسَنِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ:حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ: بَعَثَنِي أَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ائْتِهِ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ. قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي يُقْرِئُكَ السَّلَامَ. فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلَامُ”. [أحمد وأبوداود والنسائي]. وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ. فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ”. [متفق عليه]. قال النووي: ” فيه استحباب إرسال السلام إلى الغائب ، سواء كان أفضل من المرسل أم لا ؛ لأنه إذا أرسله إلى من هو أفضل فمن دونه أولى ، ويجب على الرسول تبليغه ، ويجب على المرسل إليه رد الجواب حين يبلغه على الفور .” ( شرح النووي)
الأدب الثامن: السلام على القوم عند الخروج من المجلس: فكما أنه يسن السلام عند القدوم على المجلس، فكذلك من السنة أن يلقى السلام عند مفارقة ذلك المجلس. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلِّمْ؛ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ؛ ثُمَّ إِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ؛ فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ”. [أبوداود والترمذي وحسنه]. قال الطيبي:” أي: كما أن التسليمة الأولى إخبار عن سلامتهم من شره عند الحضور، فكذلك الثانية إخبار عن سلامتهم من شره عند الغيبة، وليست السلامة عند الحضور أولى من السلامة عند الغيبة، بل الثانية أولى”.[تحفة الأحوذي].
أيها المسلمون: هذه هي آداب السلام من هدي خير الأنام – صلى الله عليه وسلم – فعلينا أن نقتدي به ونهتدي بهديه كما قال ربنا – سبحانه وتعالى-: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } (الأحزاب: 21).
العنصر الثالث: ثمرات وفوائد إفشاء السلام
عباد الله: هناك ثمرات وفوائد عظيمة وجليلة لإفشاء السلام؛ هذه الفوائد تعود على الفرد والمجتمع بقيمٍ وعلاقات نبيلة وجليلة في الدنيا؛ ونيل رضا الله ومحبته والفوز بجنته في الآخرة؛ ومن هذه الفوائد:
نشر المودَّة والمحبَّة بين المسلمين: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ؛ وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ؛ أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ “.(مسلم). قال النووي: ” فيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف، والسلام أول أسباب التآلف، ومفتاح استجلاب المودة، وفى إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض، وإظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع وإعظام حرمات المسلمين. قال: وفيها لطيفة أخرى، وهى أنها تتضمن رفع التقاطع والتهاجر والشحناء وفساد ذات البين، التي هي الحالقة، وأن سلامه لله لا يتبع فيه هواه، ولا يخص أصحابه وأحبابه به، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب”. (شرح النووي)
ويقول الإمام الرازي : ” الحكمة في طلب السلام عند التلاقي لأنها أول أسباب الألفة ؛ مع تضمن تحية السلام للتواضع وتجنب الكبر مع التأنيس للوحشة واستمالة القلب وسكون النفس للآتي بها فنفتح أبواب المودة وتتألف القلوب”.( فيض القدير للمناوي بتصرف) ولذلك قال عمر- رضي الله عنه-: «ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: أن تسلّم عليه إذا لقيته، وتوسّع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسمائه إليه».( البيهقي في الشعب).
ومنها: دخول الجنة: فعن عبد الله بن سلام قال: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثاً، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ؛ فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ؛ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ”.(أحمد والطبراني والبيهقي وابن ماجة والترمذي وقال: هذا حديث صحيح).
ومنها: أن إفشاء السلام باب عظيم لتكثير الحسنات؛ فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أنَّ رجلًا جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ : السَّلامُ علَيكُم، قالَ قالَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : ” عَشرٌ “. وجاءَ آخرُ فقالَ : السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللَّهِ ، فَقالَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : ” عشرونَ “: ثمَّ جاءَ آخرُ فقالَ : السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللَّهِ وبرَكاتُهُ فقالَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ” ثلاثونَ” .( أحمد وأبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب) .
أيها المسلمون: إفشاء السلام فضيلة جليلة، وفرصة عظيمة لتكثير الحسنات لا يَعرفها الكثيرون، ومن عرف هذا الفضل سعى له سعيًا كبيرًا، وحرص عليه أشدَّ الحرص؛ لذلك ” قال ابن عمر: إني كنت لأخرج إلى السوق وما لي حاجة إلا أن أسلم ويسلم عليَّ “. (عون المعبود)؛ وابن عمر يفعل ذلك لأنه سلك طريقا عظيما لجمع الحسنات بسهولة ويسر ؛ فضلا عن التعارف والتآلف بين أفراد المجتمع.
ومِن ثمراته العظيمة: أنَّ إفشاء السلام سببٌ لغفران الذنوب؛ فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا”.( أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة والترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب). وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إنَّ المؤمنَ إذا لقي المؤمنَ فسلَّم عليه وأخَذ بيدِه فصافَحه تناثَرت خطاياهما كما يتناثَرُ ورقُ الشَّجرِ”. ( الطبراني بسند جيد)
ومنها: أن البادئ بالسلام أخير الناس وأفضلهم عند الله: فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ؛ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ”. (البخاري)؛ وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ “.( أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه)
ومنها: أن المداومة عليه تمييز للمسلمين وكيد لأعداء الدّين؛ وقد سبق حديث عائشة في العنصر الأول عن سلام اليهود وكيدهم وحسدهم على فضيلة إفشاء السلام !! هذه هي بعض وفوائد وثمرات إفشاء السلام في الدنيا والآخرة؛ وهناك فوائد وثمرات أخرى لا يتسع المقام لذكرها ويكفي القلادة ما أحاط بالعنق !!
العنصر الرابع: مفاهيم خاطئة في إفشاء السلام
عباد الله: تكلمنا في العناصر الثلاثة السابقة عن منزلة إفشاء السلام وفضله؛ والآداب التي يتحلى بها المسلم في إفشاء السلام؛ وثمرات السلام وفوائده في الدنيا والآخرة؛ وفي هذا العنصر العملي التطبيقي هناك عدة سلبيات ومفاهيم خاطئة في إفشاء السلام أحببت أن أنبه عليها حتى لا نحرم أجر السلام وفوائده في الدنيا والآخرة ؛ وهذه السلبيات والمفاهيم الخاطئة تتمثل فيما يلى: –
أولا: كثير من الناس بينهم خصام وشقاق؛ ويأتي أحدهم ليفوز برضا الله فيبدأ بالسلام ليكون خيرهما عند الله؛ وهذا أمر يحمد عليه؛ ولكن الآخر لا يرد عليه السلام؛ ويتكرر هذا الأمر والآخر لا يرد ؛ فيمل الأول ويترك السلام بحجة أن الآخر لا يرد !! أقول: يجب عليك أن تلقي السلام على الجميع حتى المتخاصم معك؛ لأن هذه تحية الإسلام؛ وإن لم يرد عليك فقد وكَّل الله ملكا يرد عنك ؛ ويرد على الآخر الشيطان؛ فعن هِشَامَ بْنَ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ؛ فَإِنْ كَانَ تَصَارَمَا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صُرَامِهِمَا؛ وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا فَسَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَتُهُ ؛ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ وَرَدَّ عَلَى الْآخَرِ الشَّيْطَانُ؛ فَإِنْ مَاتَا عَلَى صُرَامِهِمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا ” . (البخاري في الأدب المفرد وأحمد والبيهقي وابن حبان وصححه ). وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ السَّلامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَضَعَهُ فِي الأَرْضِ، فَأَفْشُوهُ فِيكُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ فَرَدُّوا عَلَيْهِ، كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ، لأَنَّهُ ذَكَّرَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ. ” (البخاري في الأدب المفرد والطبراني والبيهقي والهيثمي وصحح إسناده )
ثانيا: كثير من الناس لا يلقي السلام إلا على من يعرف فقط !! أو صاحب جاه أو منصب أو صاحب مال !! أما الفقير والصغير والحقير فلا يعيره أحد اهتماما !! وهذا فهم خاطئ !! لأن السلام حق لجميع المسلمين؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ:” تُطْعِمُ الطَّعَامَ؛ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ”. (متفق عليه). قال النووي: معنى قوله “تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف” تسلم على من لقيته، ولا تخص ذلك بمن تعرف، وفي ذلك إخلاص العمل لله، واستعمال التواضع، وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة”( شرح النووي)؛ ويقول ابن حجر: ” وفيه من الفوائد: أنه لو ترك السلام على من لم يعرف احتمل أن يظهر أنه من معارفه، فقد يوقعه في الاستيحاش منه.”[فتح الباري] ويقول ابن العربي: ” عليك في رعاية هذه الحقوق وغيرها بالمساواة بين المسلمين كما سوى في الإسلام بينهم في أعيانهم، ولا تقل هذا ذو سلطان وجاه ومال وهذا فقير وحقير ولا تحقر صغيرا، واجعل الإسلام كله كالشخص الواحد، والمسلمين كالأعضاء لذلك الشخص، فإن الإسلام لا وجود له إلا بالمسلمين، كما أن الإنسان لا وجود له إلا بأعضائه وجميع قواه الظاهرة والباطنة”. ( فيض القدير للمناوي)
أحبتي في الله: إن من علامات الساعة أن يكون السلام للمعرفة؛ وهذا هو الواقع في هذا الزمان؛” فعن ابنِ مسعودٍ أنه مر برجلٍ فقال السلام عليك يا أبا عبدِ الرحمن ، فرد عليه ثم قال : إنه سيأتي على الناسِ زمانٌ يكونُ السلامُ فيه للمعرفةِ”. ( فتح الباري)
ثالثاً: الكلام قبل السلام: فكثير من الناس حينما تلقي عليه السلام يقول: اتفضل ؛ عامل إيه؟ أخبارك؟ الأولاد عاملين إيه؟ الشغل عامل إيه معاك؟ وبعد ما يمشي يرد ويقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ وهذا مخالف لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – لأن من هديه – صلى الله عليه وسلم – السلام قبل الكلام؛ فعَنْ ابْنِ عُمَر َ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ:” السّلَامُ قَبْلَ السّؤَالِ، فَمَنْ بَدَأَكُمْ بِالسّؤَالِ قَبْلَ السّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ “.( ابن عدي وابن النجار بسند حسن ) . وهذا هو الذي عليه سلف الأمة وخلفها أنهم كانوا يقدمون السلام قبل كلامهم، وسؤال حاجتهم. قال النووي:” السنة أن المسلم يبدأ بالسلام قبل كل كلام، والأحاديث الصحيحة وعمل سلف الأمة وخلفها على وفق ذلك مشهورة، فهذا هو المعتمد في هذا الفصل”. ( شرح النووي)
ولماذا كان السلام قبل الكلام؟ والجواب: لأن في الابتداء بالسلام إشعاراً بالسلامة وتفاؤلاً بها وإيناسا لمن يخاطبه وتبركاً بالابتداء بذكر الله. قال القاري:” لأنه تحية يبدأ به فيفوت بافتتاح الكلام كتحية المسجد فإنها قبل الجلوس “.[تحفة الأحوذي].
رابعا: كثير من الناس لا يرد السلام؛ بل يهز رأسه أو يشير بيده أو يحرك شفتيه أو خلاف ذلك من الإشارات؛ وهذا على خلاف القرآن والسنة ؛ لأن الله تعالى قال: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (النساء: 86)؛ بل إن هذه الإشارات فيها تشبيه باليهود والنصارى؛ فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ “. (الطبراني والترمذي وحسنه الألباني)؛ وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « تسليم الرجل بأصبع واحدة يشير بها فعل اليهود »( الطبراني وصححه الهيثمي في المجمع)
أيها المسلمون: إن كلمة السلام بمدلولها الشامل والعام تشير إلى تحية السلام بين المسلمين؛ ونشر السلام العالمي بين المسلمين وغيرهم من خلال نصوص القرآن والسنة؛ فكما أسس الرسول – صلى الله عليه وسلم – الدولة الجديدة في المدينة المنورة على أسس ثلاثة: المسجد؛ والمؤاخاة؛ والمعاهدات. فكذلك نحن في هذه المرحلة نحتاج إلى هذه الأسس الثلاثة في بناء وطننا الحبيب؛ وذلك من خلال السلام مع الله بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات وإقامة شرعه وأحكامه؛ والسلام مع المسلمين بالتحية والحب والأمان؛ والتعايش السلمي مع غير المسلمين؛ ولذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يبدأ كتاباته لغير المسلمين بالسلام ويختمها بالسلام؛ لأن الإسلام دين السلام؛ فالزموا السلام في أقوالكم وأفعالم وتعاملاتكم ؛ فكم دُفِعَ من شر بسبب كلمة “السلام عليكم”! وكم حلَّ من خيرات وبركات بسبب كلمة “السلام عليكم”! وكم وُصِلَتْ من أرحام بكلمة “السلام عليكم”! وبذلك نعيش في جو من الحب والإخاء والأمن والأمان والاستقرار محليا وعالميا؛ فالمسلم حين يلقي السلام على أخيه كأنه يقول له بلسان حاله: عش آمناً مطمئناً، ولا تخشى مني على نفسك وعرضك ومالك، وهذا بدوره يحقق الأمن والأمان والاستقرار بين أفراد المجتمع المسلم.
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي